أبرشية بيروت الكلدانية، بين الأمس والحاضر

مقدّمة:

الكنيسةُ الكلدانيةُ في لبنان، من المذاهب المسيحيَّة القديمة العهد فيه وتنتمي الى قائمة الطوائف المعترف بها رسميّاً، على مساحة الوطن. يحاولُ هذا العَرضُ الموجزُ، أن يسلّط الضوء على تاريخ أبرشية بيروت الكلدانية وعلى واقعها الحاضر، مستشرفاً المستقبل الواعد، وواثقاً بقوّة العناية الإلهيّة، رغم الصّعاب المتتالية والتحدّيات الكثيرة.

تاريخ الكنيسة الكلدانية في لبنان

تنتمي الكنيسة الكلدانية الى الكنيسة الكاثوليكية الجامعة، وتفتخر باستعمالها اللغة السريانية بلهجتها الشرقية وهي من سلالة اللغة الآرامية التي نطق بها السيدُ المسيحُ له المجد. يتوزّع أبناء الكنيسة الكلدانية حالياً في العراق وتركيا وسوريا وإيران ولبنان، بالإضافة الى الكلدان المتواجدين في اوروبا واميركا واستراليا وكندا ونيوزيلندا وجورجيا ومصر والأردن... وغيرها.

يرأس اليوم الكنيسةَ الكلدانيةَ في العالم غبطةُ البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو الكليّ الطوبى بطريركُ بابل على الكلدان، يعاونه أعضاءُ السينودس المقدس.

يعود الوجود الكلداني في لبنان الى حوالي العام 1869 على ما تذكر الوثائق التاريخيَّة، وقد عُيّن أوَّلُ كاهنٍ كلداني في لبنان في سنة 1882 وهو الخوري لويس أخرس؛ بعد ان توجّهت انظارُ عناية المثلث الرحمات البطريرك يوسف اودو الى كلدان لبنان خلال سفره الى روما للمشاركة في جلسات المجمع الفاتيكاني الأوَّل، إذ عرَّج على بيروت ووقف على احوال العائلة الكلدانية المتواجدة فيها.

بعد ان هبّت الحربُ العالمية الأولى ووضعت اوزارها في تركيا وجوارها، وعلى إثر المذابح الأليمة التي أودت بحياة أعدادٍ لا تُحصى من المسيحيّين، كثُرت الهجرة الى لبنان وقد عُيّن حينها أوّلُ زائرٍ بطريركي كلداني في ديارنا وهو الخوري يوسف يونان الطويل سنة 1895 .اشترى البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني توما قطعة أرضٍ لكي تكون مقرّاً للكلدان في لبنان عام 1906، في منطقة الرميل. في هذه المرحلة، خدم أبناءَ الطائفة الكلدانية في لبنان الخوري منصور كرياكوس الذي درس في اكليريكية غزير وارتسم كاهناً سنة 1909 ثم عقبه الخوري يوسف تفنكجي عام 1927 وهو أوَّل من شيّد كنيسةً للكلدان في العاصمة بيروت عام 1930.

ابتدأ العملُ على تشييد كنيسةٍ تحملُ اسم القديسة تريزيا في منطقة رأس النبع بمساعي الخوري يوسف نعيّم الذي كان قد افتتح بجوارها مشغلاً للتطريز سنة 1924 باسم "المعمل الصناعي الوطني الكلداني في بيروت". في زقاق البلاط، وذلك بهدف تشغيل المهاجرات واليتيمات وتعليمهنَّ اصول الخياطة والتصوير والمصنوعات الشرقيّة.

يُشار أيضاً الى أنه قد تمَّ تشييدُ هذه الكاتدرائية برعاية البطريركية الكلدانية وهمَّة الخوري يوسف تفنكجي والأب شانتور رئيس الرسالة اليسوعية في لبنان آنذاك ومساندة حكومة فرنسا ودعم قداسة الحبر الروماني البابا بيوس الحادي عشر الطوباوي.

أساقفة الكنيسة الكلدانية في لبنان

تعاقب على خدمة الكنيسة الكلدانية في لبنان عددٌ من الأساقفة الأجلاّء، كان أوّلهم المطران جبرائيل نعمو عام 1939، وقد خدم أبناءَ الكنيسة بكل أمانةٍ وتفانٍ. في عهده استقلّت أبرشية بيروت الكلدانية عن سوريا عام 1950.

تسلّم المطران جبرائيل كنّي عام 1964 زمام أبرشية بيروت الكلدانية وقد خلفه المطران روفائيل بيداويد عام 1966. خلال هذه الحقبة، خدم الأبرشية عددٌ من الآباء الكهنة الأفاضل نذكر منهم الأب عمّانوئيل رمّو والأب أوغسطين صادق والأب هرمز آزو والمونسنيور لويس الديراني والمونسنيور ميشال قصارجي وفي هذه المرحلة أيضاً، تمَّ تأسيس مجلة بابل ومركز بابل للدراسات الكلدانية والمشرقية.

عام 1989، أصبح المطران بيداويد بطريركاً على الطائفة الكلدانية الى أن توفي سنة 2003، وتحتضن مدافنُ كاتدرائية الملاك روفائيل في بيروت رفاته الطاهرة. خَلَفَ المطران يوسف توماس البطريرك روفائيل بيداويد في رئاسة الكنيسة الكلدانية في لبنان سنة 1996 حتى تاريخ وفاته سنة 2001.

منذ العام 2001 الى يومنا الحاضر، يرعى أبرشيةَ بيروتَ الكلدانية سيادةُ المطران ميشال قصارجي.

كاتدرائية الملاك رافائيل في بعبدا – برازيليا

وضع المثلثُ الرحمات المطران روفائيل بيداويد حجر الأساس لكاتدرائية الملاك رافائيل ودارة المطرانية في بعبدا – برازيليا التي بدأ العمل بها سنة 1980 واكتمل حوالي العام 1985، وقد جاءت هذه الكنيسة آيةً من الجمال والذوق في الهندسة المعمارية المحافظة على الأصالة التاريخية المتجذّرة في التراث البابلي، بروعة زجاجيّاتها الإيقونوغرافية وفرادة نواقيسها المتنوّعة النغمات وشموخ بُرجَيها البابليّين المتصدّرَين بناءها الجميل.

دارة المطرانية

وهي تقع بجانب كاتدرائية الملاك رافائيل في بعبدا – برازيليا وتتألَّفُ من ستة طوابق وتحتوي على دوائر المطرانية والمحكمة الروحيّة ومكاتب الإكليروس ومكاتب المجلس الأعلى والجمعيّة الخيريّة ورابطة الشبيبة الكلدانية ومكان سكن راعي الأبرشية والكهنة.

كهنة الأبرشية

تعاقب على خدمة هذه الأبرشية عددٌ من الكهنة الأفاضل ذكرنا بعضَهم ونذكر منهم أيضاً الآباء اغسطين جزراوي وماهر ملكو وهاني عيسى وجوزف ملكون وفرنسيس الراهب وتوماس بهنام وفراس دردر وروني حنّا والمرحوم الأب دنحا يوسف والأب ايزن ايليا والأب يوسف خالد والشماس الإنجيلي المرحوم جورج شمعون والشماس الرسائلي المرحوم جورج سمعان حناوي كما يخدمها اليوم تحت رعاية صاحب السيادة المطران ميشال قصارجي والمونسنيور رافائيل طرابلسي النائب العام للأبرشية.

يعاون الإكليروسَ في خدمة الأبرشية، المجلسُ الأعلى للطائفة الكلدانية في لبنان والجمعية الخيريّة الكلدانية ورابطة الشبيبة الكلدانية بالإضافة الى الشماس الرسائلي روفائيل كوبّلي والشماس الرسائلي داني شيبا والشماس الرسائلي طوني الجدو.

واليوم، فضلاً عن مدينة بيروت، يتواجد الكلدان في شتّى المناطق اللبنانية، لا سيّما في جبل لبنان وزحلة وطرابلس والمتن وكسروان.

الخاتمة

وهكذا تستمرُّ رسالةُ أبرشية بيروت الكلدانية في نشر كلمة الخلاص الإنجيليَّة والتبشير بالمسيح الفادي بالقول والعمل، لتبقى تلك النجمةُ التي هدت المجوسَ قديماً الى موضع طفل المغارةِ، نبراساً وكوكباً وضّاءً يُنيرُ خُطى السَّالكين في الدروب الوعرة وهم سائرون في مسالك الحياة الحرجة سعياً الى من هو "الطريقُ الحقُّ والحياةُ" (يوحنا 14/6).

en_USEnglish
Scroll to Top