المطران قصارجي قي قداس الميلاد:

دعوتي أن تتكاتفوا معاً لمواجهة هذه الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة، عسانا نبدأ بتحقيق الثورة التي يُدعى اليها في صفحات العهد الجديد.

دعوتي لكم أن تؤآزروا كنيستكم ورعيّتكم في رسالتها

احتفل رئيس الطائفة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي برتبة تبريك شعلة المجوس والقداس الإلهي، في كنيسة الملاك رافائيل في بعبدا برازيليا، عاونه المونسينيور رافاييل طرابلسي والابوان يوسف خالد ميخا وايلي رعد والشماس جوزف ايشو،

في حضور ابناء الطائفة الكلدانية لبنايين وعراقيين وسوريين.

العظة

وبعد الانجيل المقدس، القى المطران قصارجي عظة بعنوان: ” ما جئت لالقي سلاما على الارض، بل سيفا!”، تناول فيها معاني عيد الميلاد المقدس وسلط الضوء على شخصية المسيح الثائر ضد الذات وضد مفاسد المجتمع لكي يرسي اسس ملكوت السماوات على الأرض.

وقال: “يطلُّ علينا العيدُ هذا العام، في جوّ يهيمن عليه غضبُ الشَّعب واستياؤه من تقاعُس الدولة أمام النهوض بمسؤوليّاتها بما في ذلك من صيانةٍ لحقوق المواطنين كافةً ومحاربة الفساد وإرساء أسُسُ جمهوريَّةٍ قوامُها العدالةُ والمساواة واحترامُ كرامة الإنسان المخلوقِ على صورةِ الله ومثاله”.

وتابع: “المسيحُ ثائرُ التاريخ الأكبر، إذ أرادَ رسالتَه انقلاباً على النظام السياسي الذي كان سائداً في عصره، وتقريعاً لأداء الفرّيسيّين والكتبة ورؤساء الكهنة، وكُلِّ من وسّع الهوَّة أو المسافة بين حقيقة الدين وسوء الأداء المزيَّف”.

اضاف : “تجسَّد المسيحُ ليبني على الأرض قاعدة مُلكٍ جديدٍ، هو ملكوت السماوات، ملكوتُ العدالة والتواضع والمحبة والرجاء حيثُ الأوَّلون آخرون والآخِرون أوَّلون… وحيثُ درهمُ الأرملة أثمنُ من كنوز الغنيّ الجاهل وحيثُ الغِنى في توزيع الثروة وليس في تكديسها… وحيث الطفلُ الصغيرُ يُمسي الأكبر بين أهل الفردوس”.

واشار الى ان “ثورةُ يسوع تتخّذ إنجيل التطويبات خريطة َ طريقٍ لها، وتُقيم التواضُعَ رمزاً للرفعة وتفصِلُ الإنسانَ عن عناصر السلام المزيّف الذي اصطنعه عبر الزمان، والقائم على تأمين المخزون المالي والاتكالِ على دورِ العائلةِ أو دعم القبيلَةِ أو الطائفة… أولم يُقل في بشارة إنجيله: “جئتُ لأفصل الأب عن أمّه والابنة عن أمّها والحماة عن كنّتها… وأعداءُ الإنسان أهلُ بيته؟!”(متى 10: 34-36).

نعم، لقد أتى يسوعُ ثائراً وأراد أتباعه أن يكونوا ثوّاراً… يثورون على أنفسهم أوَّلاً وعلى أهوائهم ونقائصهم وسيّئاتهم… ليستطيعوا بالتالي أن يثوروا على الفساد الاجتماعي والسياسي والأخلاقي السائد في مجتمعاتهم!

هذا كان نمطَ يوحنا المعمدان الذي اختلى في صحراء الأردنّ يصارع ذاته في إطار زُهدٍ ونُسكٍ… ولمّا تنقّى بنعمة الله من ادناس الجسد والروح، خرج الى بريَّة العالم الفاسد يُنادي بالتوبة وبصيانة الحياة الزوجية والأسريَّة ويدعو الى ترقّي الأداء السياسي وسموّه.

ثورة يسوع إنما هي في كونه إلهاً خالقاً يرتضي بالمغارة مسكناً وبالمزود مكاناً يولدُ فيه… ثورةُ يسوعَ في كونه ربَّ البيت، ومع ذلك يُدفَنُ كغريبٍ خارج مقابر العائلة… في مدفن يوسف الرامي… ثورةُ يسوعَ في كونه يموتُ ظُلماً ويُحكَمُ عليه من أبناء جنسه ويدعو الى مسامحة العدوّ وقبول اللطمة على الخدَّين.!

أجل، لقد ثار يسوعُ على كُلِّ شيءٍ… هو ثورةُ الإنسان الكامنة فيه… هو الثورةُ على المفاسد والأخطاء التي اعتدنا عليها ونعتبرها صحيحةً سليمةً لا غِشَّ فيها ولا غضْنَ!”.

وقال : “كم جميلٌ ان نتبنّى في هذا العيد ثورة يسوعَ الثائر. فنثورُ على إنسانِنا العتيق وعلى أهوائنا التي تُعشّش في ظُلُمات نفوسنا! كم جميلٌ أن نثور على الحقد والكراهية والفئويَّة والمحاصصة الرخيصة وعبادة المصالح الفرديَّة وإيقونات الزعماء وكراسيهم! كم جميلٌ ان نثور على الفقر الروحي والفقر الأخلاقي وعلى الفقر المادي الذي يرزح تحت وطأته السوادُ الأعظمُ من المجتمع اللبناني. هلمّوا ننهض من سُبات رقادنا وننقُل بُشرى ثورة المولود الجديد، كالرعاة والمجوس، عازمين على تغيير العالم وبناء حضارة المحبة ورفع مداميك الملكوت الذي دعانا يسوعُ إليه. دعونا نهبُّ لمؤازرة أكثر من ثلاثة آلاف عائلةٍ عراقيةٍ وسوريَّةٍ لاجئةٍ في لبنان تُقدّم لها أبرشيةُ بيروت الكلدانية المساعدات الروحية والاجتماعية والتربويَّة ولا مُعيل لها سوى العناية الربّانيّة!”

واردف :”لم يستطع البرلمان الإيطالي أن يتقبّل ثورة المسيح الذي جعل المغارة مسكِناً للاهوت، فانتزعها من طُرُق البلاد وشوارعها، ولذلك كرّس قداسةُ البابا رسالة العيد للإضاءة على ما تحمله المغارةُ من دروسٍ لكُلٍّ منّا تجعلُنا نتصالحُ مع الطفل الذي ما زال يسكُن قلوبَنا وآن لنا أن نُعيد اكتشافه”.

وختم : “دعوتي لكم إخوتي الأحباء، أن تتكاتفوا معاً لمواجهة هذه الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة، عسانا نبدأ بتحقيق الثورة التي يُدعى اليها في صفحات العهد الجديد. دعوتي لكم أن تؤآزروا كنيستكم ورعيّتكم في رسالتها وتبدأوا منذ الآن خوضَ الحرب الثوريَّة على ذواتكم لتستطيعوا إشعال ثورة الحق في العالم وبناء حضارة المحبة!

باسم المجلس الأعلى للطائفة الكلدانية في لبنان وباسم الجمعية الخيريَّة الكلدانية ورابطة الشبيبة الكلدانية، باسم الآباء الكهنة والشمامسة والراهبات، أتمنّى لكم ولبلادنا الحبيبة تحقيقَ ثورة المسيح كما يريدها هو وبالسُبُل التي يُريد.

ولد المسيح هللويا!

وكل عامٍ وأنتم بخير!”.

وبعد القداس، تقبل المطران قصارجي التهاني بالعيد في نادي الشبيبة الكلدانية.