احتفل رئيس الكنيسة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي بقداس الفصح المجيد في كاتدرائية الملاك رافائيل في بعبدا برازيليا، عاونه فيه المونسنيور رفائيل طرابلسي والاب كرم شماشا من العراق، الأب يوسف خالد والشماس جوزف ايشو وخدمت القداس جوقة الرعية، في حضور ابناء الطائفة الكلدانية في لبنان، لاجئين عراقيين، ابناء الرعية ومؤمنين.

بعد الانجيل المقدس، القى المطران قصارجي عظة بعنوان :”إننا بجراحِه قد شُفينا!

يُفرحني أن أُطلِقَ معكم صيحة البهجة والغِبطة، صرخة الإنتصار والغَلَبة في صبيحةِ هذا اليوم المقدَّس، سيّد الأيام ومِحور السنّة الطقسيَّة الذي لا يغرُب نهارُه ولا تُطفأ شمسُهُ التي بزغت مِنَ القبرِ مُنتصرةً على سُلطانِ الظلام والموت إلى مُنتهى الدُّهور. اليوم يوم القيامة فلنتلألأ ضياءً أيُّها المؤمنون ولنُصافِح بَعضُنا بَعضاً في فِصحِ الصَّفحِ هذا ولننقُل البُشرى كالنسوة حاملاتِ الطِّيب إلى كُل حيّ ، إلى كُلّ حزين ومريض إلى كُلّ مَن اعتقد أنَّ المسيح لم يزَل في لحدٍ مُظلِمٍ !”.

وتابع : “نعم، لقد كان موت الصليب مجلبة شكٍّ وعثرةٍ لجميع التلاميذ الذين أناطوا رجاءهم الوحيد بالمسيح يسوع، ولكنّه وقفَ في وسطهم في مثل هذا اليوم الأوَّل مِنَ الأسبوع ليقول لهم إنَّ ما رأته النسوة وما شاهده بعضُهم ليس رؤيا ولا هو أضغاثُ أحلامٍ أو تخيُّلات لكنّه حقيقة متجسّدة وإن لم تكُن متوقَّعَةً . هذا ما ينقله إلينا يوحنا البشير : “لقد حَضرَ يسوع ووقف في الوسط وقالَ : السَّلام لكُم” (يوحنا20/19) .

نَستطيعُ أن نجد شكّاً كالذي ساورَ جميع التلاميذ في قلبِ كُل واحد مِنَّا، لكنَّ يسوع واقفٌ أمامنا اليوم ويُعيدُ ما قاله لتوما : “هاتِ إصبعَك إلى هنا وأنظُر يديَّ وهاتِ يدَكَ والمس بها جنبي ولا تكُن غيرُ مؤمنٍ بل مؤمناً! ” وكان جواب الرسول اعترافاً إيمانيّاً يُدغدغُ القلوب : “ربّي وإلهي!” (يوحنا 20/27-28)”.

واشار الى ” اننا نحن اليوم ننتظر شهادةً جديدةً لصحَّة القيامة تتمثَّل لدى مجتمعاتِنا التي تَئنُّ تحت نيرِ الألم والمرض والفقر والبطالة والتهجير والحروب الثورات والبِدَع والتَّعصُّب الدِّينيّ والتَّطرُّف المذهبيّ والإستبداد السِّياسي … كثيرون يرغبون في أن يجدوا في شخص القائم مِنَ الموت ربّاً وإلهاً ومُخلِّصاً ! انَّ اعتراف مَبشِّر كنيستنا العظيم، القديس توما، إنَّما يُشكِّل بالنسبة إلينا اليوم، غِذاءً إيمانيّاً كاملاً، لأنَّه يدفعُنا إلى تطهيرِ عقولِنا مِن كُل صورة مشوَّهة عنِ الله ويجعلُنا نكتشِفُ مِن جديد ٍ وجه يسوع الحقيقي، الإلهِ القائم من مطامير التُراب والمنُتصِر على سُلطان الجحيم والحامِل سِمات الجِراح والألم في آنٍ واحدٍ . لم يكشِف القائم من الموت ذاته لتوما إلاَّ وعلامات الألم واضحة على جسدِهِ الممُجَّد، لأنّه أشعَّ نور انتصاره على تلك الكلوم فهبَّت تبعثُ الحياة منها، كمجاري مياهٍ حيَّة وكما اندفقَ ماءٌ ودمٌ مِن جنبهِ الإلهي يُرويان الإنسانيَّة العطشى. هذا ما عرفهُ بطرس الرسول الذي رفضَ أن يكون تلميذاً لملك ٍ سيُحكَمُ عليه بالموت صلباً، فأعلن لليهود الذين آمنوا بالمسيح، ما قاله إشعيا النبيُّ المتألّم : “إننّا بجراحه قد شُفينا!” (1بط 2، 24) .

هذه الجِراح التي كانت عثرةً أمام إيمان توما بادئ الأمر، أضحت، مع ما هي عليه مِن تعبيرٍ عن الفشل الظاهِر، علاقة حبٍّ منتصرٍ. لأجل ذلك، حينما ننظُر الناهض من الموت حاملاً سِمات الألم والضُّعف، فذاك يجعلُنا نُدركُ أكثر فأكثر ما معنى القيامة ومَن هو الإله الذي ماتَ وقامَ عنّا، فنصرخ مع توما : “ربّي وإلهي!” وحده يسوع المائت والقائمُ يَستطيعُ أن يحمِل جراحنا لا سيّما جراح البريء … وحده يَستطيعُ أن يحمل أمراضنا الكثيرة وعاهاتِنا وفقرنِا .. وما أكثر مَواطِن الضُّعف التي تَسكُن حنايا حياتنا البشريَّة !

نحن الذين لبِسنا المسيح يوم العِماد واختبرنا معه الإنحدار إلى الجحيم والصعود منها بالقيامة، قد اتّشحنا بدرعِ القوَّة وعدمِ الخوف وتسربلنا رداء عدم الموت. فيا جميع الصارخين مِن جوفِ الحوت على مِثال يونان القائل : “مِن جوفِ الجحيم أصرخُ إليك تسمعُ صوتي!” (يونان 2/3) ، لقد سَمِعَ الربّ أنيننَا لا بل هو حاضرٌ معنا في خِبرة الألم والموت الذي عاشه لينتصِر عليه وننتصِر معه !”.

ودعا أبناء الكنيسة “أن يستثمروا الحبّ المنُتصِر على الموت والذي صار أقوى مِن أي حقد في الدُّنيا واستقبلوا الرّجاء الطالعُ مِنَ القبرِ الفارغ والذي صارَ أكبرُ مِن كُل يأس ! انّنا أُناسٌ قياميّون نتشارَك المسيح في عمليّة فِداء الكون وتغييره كما يُريد الله له أن يكون … وأهلُ القيامة لا يتراجعون أمام التَّحديّات مهما بَلغت صُعُوبتها بل حسبُهُم أن يَضَعوا نُصبَ أعيُنهم كلامَ القديس بولس القائل : “مَن يفصِلُنا عن محبَّةِ المسيح ؟ لا موتٌ ولا حياةٌ ولا ملائكةٌ ولا سلاطينُ ولا قوّاتٌ … تستطيعُ أن تفصلني عن محبَّةِ الله التي بربِّنا يسوع المسيح !” (رومة 8/38)”.

وختم قائلا: “دعاؤنا للقائم مِنَ الموت، بما نشرَ بقيامته المُقدّسة مِن عطرِ الرَّجاء للدُّنيا بأسرها، أن يَمنحنا ببركاتِ القيامة شِفاء نفوسنا وقلوبنا وأجسادنا وأن يَسكُب على شعبِنا وعلى عراقِنا وعلى لبنانِنا الحبيب فيضاً سخيّاً مِن نِعمه !

في ختام القداس الالهي، بارك المطران قصارجي البيض الذي وزع على المؤمنين كعلامة لقيامة المسيح من الموت وتقبل بعدها التهاني بالعيد المجيد مع ابناء الرعية، في نادي الشبيبة.