بحضور راعي الكنيسة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارحي احتفل النائب الاسقفي العام المونسنيور رافائيل طرابلسي يعاونه الأب يوسف خالد والشماس جوزيف ايشو بقداس سبت النور و قد تم خلاله تبريك النور و اعلان القيامة .

في ما يلي عظة المونسنيور رافائيل طرابلسي…

صاحب السيادة السامي الوقار
ابتِ الجليل
أيُّها الإخوة والأبناء الأحباء
الله هو النُّور الأزلي والحقيقي؛ فمنذ فجر التاريخ في الخلق العجيب، غمرَ النُّورُ العالمَ وتسرَّب إلى نواحيه وأرجائه وبسطَ عليه سناء الجمال وروعة العَظمَة. لقد غمرَ النُّورُ الإنسانَ فأضحى أُعجوبة الخلق العُظمى والعالمَ الصَّغيرَ والتُّحفةَ الفريدةَ.
في مِلء الزَّمن، إذا بالمسيح الكلمة، الإبن الوحيد للآب الأزلي، يأتي “ليُنيرَ كُلَّ إنسانٍ آتٍ إلى العالم” (يوحنا 1/19)، لذلك تَرِدُ عبارة النُّور على صفحات الكتاب الإلهي مرّاتٍ كثيرةً وتُرشِدُ النَّاس إلى نورِ العالم، النُّورِ الذي تعليمُه نورٌ وحياةٌ …..
أيُّها الإخوة والأخوات،
لا عجب أن يكون النُّورُ رمزاً للقيامة الخلاصيَّة التي تُشرِقُ أنوارُها في هذه الليلة المباركة، فالقيامةُ خَلقٌ جديدٌ لأنَّ الناهض مِن القبر يزور مثوى الأموات ويُقيم آدم وحوَّاء مِن وَهدَة السقوط… إنّه يبعث الحياة الحقَّة في الجنس البشري الذي لن يهاب الموتَ أو الضيق أو الأحزان بعد اليوم لأنّها أضحت جسر عبور إلى السعادة التي لا تزول والتي قد تكمُن في القلوب وفي سريرة جميع المخلَّصِّين الذين يتذوَّقون لذتها الرُّوحيَّة ….

اليومَ يسوعُ يسطَعُ نورُه غيرُ الماديّ في عالم الظلمة والموت فتَتَفجَّر فيه الحياة وتضمَحلُّ الظلال، فيا له من عيدٍ للنُّور !
هذا النُّور المنبثقُ من قبر المسيح يُشرِقُ في قلب الإنسان ويتغلغل في أعماقه و لا يُمكن للمرء أن يدنو منه إلاَّ بالإرتداد والتوبة التي تُدرجه في مملكة النُّور، فيتغذّى من أسرار الكنيسة التي هي تجلّياتٌ للنُّور الواحد؛ وهكذا يحقِّق المعمَّد في انتمائه إلى الكنيسة وأسرارها وتعاليمها هويَّته الحقَّة : إنَّه ابنٌ للنُّور وأعمالُ الظُلمة لا يعرفُها.
أيُّها المباركون،
إنَّ فرحتنا بالنُّور الصادر مِن قبر المخلِّص لن تكتمل ما لم نُعاين القيامة ونتلمّسها تماماً كما فعل الرُّسُل إذ “امتلأوا فرحاً لمّا رأوا الأكفان ملفوفةً وموضوعةً على حِدة” على ما يخُبرنا به إنجيل القديس مرقس (مرقس 16/1).
كيف نختبر القيامة إن لم نلتزم بكنيستنا والأسرار ؟ كيف نختبر القيامة إن لم تتبدَّل حياة الفتور الرُّوحي التي نستسلمُ لها ؟ كيف نختبرُ القيامة إن لم تتبدَّل نظرتُنا إلى الآخر؟ كيف نختبر القيامة إن لم نكُن حريصين على المبادئ والأُسُس الأخلاقيَّة وعلى القِيَم الوطنيَّة التي تجعلُ من بلادِنا مكاناً يُحترمُ فيه الإنسانُ وتُصانُ كرامَتهُ ؟كيف نختبرُ القيامةإن لم نُدرك خلال هذه الفترة الصعبة التي دخلنا فيها حَجراً صُحيّاً قَسريّاً، أن ابن آدم كائن اكثرُ هشاشةً من جرثومةٍ سيطرت على عجلة الكون وهدّدت العالم بالموت… وأنَّ الإنسان مدعوٌ الى إعادة اكتشاف حجمه الحقيقي بتواضعٍ وانسحاق قلبٍ وتذلُّلٍ امام الله؟
صلاتُنا إلى القائم مِن اللحد في اليوم الثالث أن يبعث إلينا بروحِه القدّوس المعزّي حتّى نستطيع أن نأخذ مِن نوره نوراً “ونأخذ من امتلائه نعمةً مكان نعمةٍ” (يوحنا 1/1) علَّنا نستضيء بضياء قيامته ونُنيرُ عالمنا المظلم، عساهُ يُمسك بيدنا ليُنهضنا من ظلمةِ أجداث خطايانا مانحاً إيانا سلامَةُ وصحّةَ النفسِ والجسدِ.
المسيح قام! حقاً قام!